حقوق الأفراد: الحرية الفردية ووثيقة الحقوق
الفصل الخامس: حـــق حمـــل الســـلاح
لما كان وجود ميليشيا جيدة التنظيم ضرورياً لأمن دولة حرة، فلا يجوز انتهاك حق الناس في حيازة وحمل السلاح - التعديل الثاني للدستور الأميركي إن التفسير لنص التعديل الثاني للدستور القائل بحق حمل السلاح هو إحدى أكثر المسائل المثيرة للجدل بين جميع القضايا المتعلقة بحقوق الأفراد في الولايات المتحدة. فخلافاً لحقوق حرية التعبير، والحقوق التي تحمي المتهمين بجرائم، فنادراً ما عالجت المحكمة العليا هذا الموضوع، وبالتالي لا وجود لتفسير قضائي مرجعي لما تعنيه هذه الكلمات. لكن الجمهور الأميركي، والكونغرس، والمجالس التشريعية في الولايات، مُنخرطون في نقاش مستمر حول معنى التعديل الثاني، وحول ما إذا كان الدستور يسمح بتنظيم السلاح إشتراعياً، وفي حال الإيجاب، إلى أي حد يسمح بذلك. يُشير المدافعون عن الرقابة الصارمة على السلاح إلى مُعدّل الجرائم المرتفع وعدد الذين يُقتلون بالسلاح -- عمداً أم خطأً -- كل سنة. ويقول المعارضون إن السلاح لا يقتل الناس بل الناس هم الذين يقتلون الناس. ويبقى الواقع، رغم هذا، أن بين أيدي الناس في الولايات المتحدة سلاح أكثر مما في معظم البلدان في العالم، كما أن أفلام هوليوود وبرامج التلفزيون، خلقت صورة غير دقيقة عن الأميركيين كأُناس يحبّون السلاح ويحسمون خلافاتهم عن طريق العنف المسلح. وبسبب الخلافات الحالية وحدّة النقاش، غابت مسألة أصول التعديل الثاني، وأسباب إدراجه في قانون الحقوق، وكون الملايين من الأميركيين يمتلكون أسلحتهم الخاصة لكي يستخدمونها في نشاطات غير إجرامية، مثل الصيد أو المسابقات الرياضية. فحدّة الجدل والتطرف الخطابي لكلا الطرفين ولّدت الكثير من النار والقليل من النور. كان السلاح السالف للمسدسات والبنادق الحديثة هو "المَسْكيت" الذي طُورّ في أواسط القرن السادس عشر. كانت المَسكيتات بالمقارنة مع البنادق الحديثة، سلاحاً ثقيلاً صعب الاستخدام لكنه بالغ الفعالية في المعارك. ففي زمن الحرب الأهلية الإنكليزية، أواسط القرن السابع عشر، كان امتلاك المَسكيتات ونظيرتها الأصغر، المسدسات، منتشراً على نطاق واسع بين أفراد الطبقة الأرستقراطية. كانت إحدى شكاوى الإنكليز ضد الملك جيمس الثاني عندما خلعوه في ثورة 1688 المجيدة، أنه في سعيه إلى إعادة العقيدة الكاثوليكية إلى إنكلترا، أمر "بنزع سلاح البروتستانت في الوقت الذي كان فيه أتباع البابا مسلحين ويستخدمون أسلحتهم خلافاً للقانون". وعندما تم إقرار قانون الحقوق الإنكليزي سنة 1689، ظهر أن حق امتلاك السلاح قد أصبح واحداً من حقوق الناس.
وليام بلاكستون، تفسيرات لقوانين إنكلترا 1765 إن حق الرعايا الخامس والأخير المرافق... هو حق حيازة أسلحة للدفاع عن أنفسهم تتناسب مع ظروفهم ودرجتهم، وتلك التي يسمح بها القانون ... وهذا بالحقيقة هو سماح عام يخضع لقيود مُعيّنة، تتعلق بالحق الطبيعي في المقاومة والحماية الذاتية، عندما يتبيّن أن عقوبات المجتمع والقانون غير كافية لمنع عنف الاضطهاد. لكن هذا المقطع يشير إلى وقائع تاريخية غالباً ما يجري التغاضي عنها في النقاش، وهي أن امتلاك السلاح كان خاضعاً لأنظمة صارمة في إنكلترا. فالنبلاء وأفراد الطبقات العليا وحدهم كان بوسعهم امتلاك السلاح، ولم يكن للمواطنين العاديين أي حق في حمل السلاح.
وفي المستعمرات الإنكليزية (في أميركا الشمالية)، كما أثبتت الأبحاث مؤخراً، كان الامتلاك الخاص للسلاح محدوداً نسبياً كذلك. فتهديد قبائل السكان الأصليين المعادية، كان يتطلب أن يكون بوسع المستوطنين الدفاع عن أنفسهم، وكان هؤلاء يعتمدون، في المناطق المأهولة أكثر، على الميليشيات، وليس على جيوش مُحترفة قائمة. كان من المفترض في كل إنسان أن يخدم في الدفاع المشترك، وكانت المجتمعات تملك مخزوناً من الأسلحة توزعها لأجل التمارين أو في أوقات الضرورة، ثم تُعاد إلى المستودعات. ومع ضمور حجم المستوطنات ونشوء مساكن فردية بعيداً عن المدن الكبرى، تطلب الدفاع عن الأفراد أن يكون لدى كل رجل قوي البنية قطعة سلاح واحدة على الأقل. وكثيراً ما كانت النساء أيضاً يتعلمن كيفية استخدام السلاح. خلال فترتي الحكم الاستعماري وبداية الحكم الفدرالي في أميركا، نظمّت الحكومة امتلاك السلاح عن كثب. فمن جهة، كثيراً ما كانت القوانين المحلية تتطلب من الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و45 سنة امتلاك السلاح ليتمكنوا من الاشتراك في الميليشيات؛ وكانت القوانين التنظيمية، من جهة ثانية، تحظر على بعض المجموعات، مثل الكاثوليك، والرقيق، والخدم المتعاقدين، امتلاك أي سلاح على الإطلاق. قامت الولايات المتحدة، المؤسسة حديثاً، بثورتها على بريطانيا العظمى بخليط من جيش قارّي، شبه نظامي وشبه مُدرّب، تسانده ميليشيات الولايات. وإذا جرى تضخيم دور الميليشيات إلى حد كبير في السنوات اللاحقة، وإذا كان جورج واشنطن قد امتدحها لأغراض سياسية، فإن الميليشيات كانت، في الواقع، شوكة إدارية وعسكرية دائمة في خاصرته. فهؤلاء الرجال القليلو التدريب (كان معظم تدريبهم يتضّمن السير بانتظام حول الساحات العامة للقرى تتبعها حفلات صاخبة)، والأقل انضباطاً، لم يكن بالإمكان اعتبارهم قوات عسكرية يمكن الاعتماد عليها. جورج واشنطن حول الميليشيات إن أي اعتماد على الميليشيات هو، بكل تأكيد، كالاتكاء على عصاً مكسورة. رجال تمّ سحبهم من ظروف الحياة البيتية اللطيفة؛ غير معتادين على ضجيج السلاح؛ وغير مدربين على كل نوع من أنواع المهارات العسكرية، وما يتبع ذلك من عدم الثقة بالنفس، عندما يواجهون قوات مُدرّبة بشكل منتظم، ومنضبطة، ومجهزة، ومتفوقة بالمعرفة، وأقوى تسلحاً، يصبحون دون جرأة وعلى استعداد للهرب خوفاً من ظلالهم ... فلو طُلب مني أن أُقسم عما إذا كانت الميليشيات أكثر إفادة أو أذيّة بوجه عام، لاخترت الوصف الأخير. رغم هذا، فقد كانت للميليشيات فائدة، ان لم يكن لشيء آخر إلاّ لأنها سمحت للدولة الجديدة بتعبئة 400,000 رجل خلال الحرب الثورية، وساعدت أيضاً في جعل الثورة مشروعاً محلياً حقاً من حيث أن كل بلدة وقرية كان لها رجال خدموا تحت قيادة الجنرال واشنطن. وبالرغم من شعبية الميليشيات في أواخر التسعينات من القرن الثامن عشر، لم تتخلّ الولايات عن الرقابة على السلاح. فالقوانين التنظيمية التي تحدّد من يحق له امتلاك الأسلحة النارية استمرت سارية المفعول خلال الحرب وبعدها. كانت قوانين الولايات تتطلب من المالكين الخاصين للأسلحة تسليم أسلحتهم إلى الحكومة عند الحاجة لها للأغراض العسكرية. في ولاية بنسلفإنيا، كان يحق امتلاك الأسلحة النارية فقط للمواطنين الذين يقسمون الولاء للولاية وللدولة الجديدة؛ أما الذين رفضوا ذلك، فكان بالإمكان إجبارهم على تسليم أسلحتهم. وفي العديد من الولايات، ظلت القوانين التنظيمية تحرّم على الكاثوليك، واليهود، والرقيق، والخدم المتعاقدين، والبيض من غير الملاّكين امتلاك السلاح. علاوة على ذلك، قام حكام الولايات بتنظيم إحصاء للسلاح، - أي وضع لوائح بأنواع ومالكي جميع الأسلحة النارية، واستمر ذلك بعد حلول القرن التاسع عشر لفترة من الزمن. تقول دراسة لأحد الباحثين إن أقل من 14 بالمئة من السكان الذكور البيض البالغين، المؤهلين لامتلاك السلاح، كانوا يملكون فعلاً أسلحة نارية سنة 1790. ومن الممكن القول إنه بحلول الوقت الذي تبنّت فيه الولايات التعديل الثاني للدستور، كانت هناك تقييدات واسعة على السلاح، ولم يكن هناك حق غير محدد لامتلاكها، وكانت هذه القاعدة هي المتبعة في جميع الولايات الثلاث عشرة. ومن الواجب أيضاً تفهم تطّور التعديل الثاني في سياق عدم ثقة الأميركيين بالجيوش القائمة، وهو ارتياب موروث من إنكلترا، ضخّمته تصرفات الحكومة الملكية خلال العقدين من الزمن السابقين للاستقلال سنة 1776. فعندما عدّد توماس جفرسون شكاوى المستوطنين ضد الملك جورج الثالث في إعلان الاستقلال، كتب أنه "ترك بيننا، في أوقات السلم، جيوشاً قائمة، دون موافقة مجالسنا التشريعية، وحاول جعل العسكر مستقلين عن السلطة المدنية وأعلى منها شأناً". وأشار العديد من الشكاوى في الإعلان مباشرة إلى وجود الجيوش القائمة على التراب الأميركي، وكذلك إلى الجهود البريطانية لمصادرة الأسلحة والذخيرة الحربية الأميركية.
وفي المؤتمر الدستوري سنة 1787، ناقش المندوبون حسنات الجيوش المنظمة بالمقارنة مع الميليشيات لكنهم، باستثناء منحهم للكونغرس سلطة تعبئة ومساندة الجيوش والأساطيل، لم يعالجوا الملكية الخاصة للسلاح كمسألة منفصلة. لكن، خلال النقاش حول التصديق، شكا معارضو الدستور أن الوثيقة تفتقر إلى قانون للحقوق، ومن ضمن تلك الحقوق التي اعتبروها غائبة، كان حق احتفاظ المواطنين بالسلاح الخاص من أجل توفير الرجال للميليشيات. لم يكن قد تبدّد الخوف القديم من الجيوش القائمة، ونبّه معارضو الفدرالية من أن قيام حكومة مركزية قوية يساندها جيشها المنظم، قد تتعامل بخشونة مع حريات الناس. احتوى قسم من الاتفاق حول التصديق في العديد من الولايات على نداء من أجل قانون للحقوق يضاف إلى الدستور بأسرع وقت ممكن، وكان من بين الحقوق المذكورة، امتلاك السلاح لأغراض العمل كميليشيات. مؤتمر فرجينيا للموافقة على الدستور 1788 [نعتقد] بأن للناس حق حيازة وحمل السلاح؛ وأن ميليشيا جيدة التنظيم مؤلفة من مجموع الناس المدربين على حمل السلاح هي الدفاع المناسب والطبيعي والسليم لدولة حرة. وأن الجيوش النظامية القائمة في أيام السلم تشكل خطراً على الحرية وينبغي بالتالي تجنّبها، بقدر ما تسمح بذلك الظروف لحماية المجتمع؛ وأن العسكر يجب أن يكونوا، في جميع الحالات، تحت إمرة وحكم السلطة المدنية. وضع الكونغرس الأول الذي اجتمع بموجب الدستور فعلاً مسودة قانون الحقوق الذي صدّقته الولايات سنة 1791. ويبدو أنه لم يكن هناك إلاّ القليل من النقاش حول ما آل إليه التعديل الثاني باستثناء بعض التعديلات في التعابير، وكما لاحظ بعض البحاثة، وافق واضعو القانون على بعض المبادئ الأساسية، كضرورة أن يكون للمواطنين الحق الدستوري في الخدمة في الميليشيات دفاعاً عن الولايات والبلاد، وأنه يجب أن يكون للأفراد حق امتلاك السلاح لكي تبقى الميليشيات قابلة للحياة. لم تقم أهمية التعديل آنذاك على أساس تأمينه للحقوق الفردية، بل يجب اعتبارها كجزء من نقاش أوسع حول الفدرالية، وميزان القوى الذي يجب أن يجري تقاسمه بين الولايات والحكومة القومية. ومع أن الدستور أعطى حكومة مركزية أقوى بكثير من تلك التي وُجدت بموجب مواد بنود الكونفدرالية، فقد ظلت المخاوف من قيام حكومة قومية قوية، تساندها جيوش نظامية، موجودة، كما أن الميليشيات كان يمكن أن تعطي الولايات وسكانها ليس فقط الوسائل للدفاع عن نفسها ضد الهجمات الخارجية فحسب، بل أيضاً، ضد الحكومة القومية الفاسدة نفسها إذا ما تجسدّت مخاوف المناهضين للفدرالية. استناداً إلى هذا الشعور، أقرّ الكونغرس، سنة 1792، قانونا موحّدا للميليشيا، فحدّد من تقع عليه مسؤولية الخدمة ("كل مواطن ذكر أبيض حر وقوي البنية" بين سنّ الثامنة عشرة والخامسة والأربعين)، داعياً كل مواطن مؤهل للخدمة إلى التزود بسلاحه الخاص، وذخيرته الحربية والتجهيزات الأخرى. القانون الموحّد للميليشيا 1792 ... على كل مواطن تم تسجيله أن يزوّد نفسه بمَسكيت جيدة أو ببندقية ذات زناد، وبحربة ملائمة وحزام، وبحجري قداحة كاحتياط، وبحقيبة ظهر، وبكيس ضمنه علبة تتسع لما لا يقل عن أربع وعشرين خرطوشة... في كل واحدة منها كمية مناسبة من البارود والرصاص. شكّل هذا القانون بطرق عدة ذروة الحركة الميليشاوية، وفي غضون سنوات قليلة، قدّر جورج واشنطن أن عدم فعالية الميليشيات أثبتت أنها صحيحة بصورة هائلة جداً. صحيح أن ميليشيات الولايات قد كسبت بعض المعارك ضد القبائل الهندية، وظهرت بقوة لا بأس بها في عصيان ويسكي سنة 1794، لكنها كانت، في مناسبتين على الأقل، على وشك الاشتباك مع القوات الفدرالية في ولايتي جورجيا وفرجينيا. وأياً كانت السمعة التي حظيت بها ميليشيات المواطنين، فقد اختفت تلك السمعة الحسنة تماماً نتيجة أدائها الشنيع خلال حرب سنة 1812، ومن بعدها خلال الأربعينات من القرن التاسع عشر، كما أن أي نوع من الرؤية لميليشيا مؤلفة من المواطنين التي كانت موجودة في التعديل الثاني، أو في القانون الموحد للميليشيا سنة 1792، قد زال منذ زمن بعيد. ظلت الميليشيات المحلية تتجمع لما يُسمّى التعبئة العسكرية خلال القرن التاسع عشر لكن ذلك لم يكن، كما لاحظ المؤرخون، أكثر من مجردّ تبختر أمام جماعة من النساء ومن ثم الذهاب إلى الحانة المحلية لتمضية أمسية طويلة. سنة 1901، دعا الرئيس ثيودور روزفلت إلى تعديل النظام مُعلناً أن "قانون الميليشيا قد أصبح بالياً وعديم القيمة". سّن الكونغرس قانون الميليشيا لسنة 1903 الذي، رغم اسمه، أزاح عملياً ذاك النوع من الميليشيا الذي كان دارجاً أيام الثورة. فالواقع أن الحروب الحديثة تحتاج إلى رجال مُدربّين مزوّدين بأسلحة حديثة، وقد احتاط القانون لذلك بجيش نظامي إضافةً إلى حرس قومي تأسس سنة 1903. صحيح أن الحرس هو، في عدة وجوه، سليل الميليشيات القديمة غير المنظمة، لكنه كيان أكثر انضباطاً وتدريباً بكثير، حيث أن برنامجه أصبح عندئذ خاضعاً لمعايير رفيعة وضعها الجيش النظامي. فأعضاء الحرس يحصلون على أسلحتهم من الحكومة القومية ولا يملكونها إفرادياً. إن قراءةً حرفية للتعديل الثاني للدستور، في سياقه التاريخي، قد تبدو كأنه يفترض أن حق حيازة وحمل السلاح بغرض الخدمة في الميليشيات لم يعد قابلاً للتطبيق. ما من ولاية استدعت الميليشيا القديمة وغير المنظمة إلى الخدمة (خلافاً للحرس القومي) منذ قبل الحرب الأهلية. أكثر من ذلك، أن حاجة الفرد لتأمين السلاح عندما يُدعى إلى الخدمة قد ولّت من زمن بعيد. فكما لاحظ المؤرخ روبرت سبيتزر، "لقد جعلوا التعديل الثاني خارج الموضوع بالكامل بالنسبة للحياة الأميركية الحديثة". قد يكون ذلك صحيحاً فعلاً بالنسبة للنوايا الأصلية للمؤسسين، لكن كما أن الزمان قد تغيّر في ما يتعلق بالميليشيات، فإنه قد تغير أيضاً في ما يتعلق بامتلاك الأفراد للسلاح. فأيا كان المعنى الذي اتخذه التعديل الثاني آنذاك، فإنه قد اتخذ اليوم، بوجه عام، معنى جديداً. قبل النظر إلى النقاش الدائر، ينبغي على المرء أن يتوقف ويتساءل، ماذا قالت المحكمة العليا عن التعديل الثاني وعن معناه؟ ففي نهاية المطاف، وبالنسبة لكل واحدة من الحريات الأخرى للناس تم تعيين المرجعية المعتمدة لكل النص الدستوري رسمياً على يد أعلى محكمة في البلاد. لكن هناك سكوتا غريبا بخصوص التعديل الثاني. فلم تقدم هذه المسألة إلاّ لماما أمام المحكمة العليا، كما أن أحكام المحكمة، وان كانت منسجمة مع بعضها البعض، إلا أنها لا تمتّ بصلة مباشرة إلى النقاش الحديث.
ففي قضية الولايات المتحدة ضد كروكشانك (1876)، أرست المحكمة مبدأين: أولاً، لا يشكل التعديل الثاني أية عقبة بوجه تنظيم اقتناء الأسلحة النارية؛ وثانياً، يُطبّق التعديل على السلطة الفدرالية فقط وليس على الولايات. بعبارة أخرى، أيا كانت القيود التي قد يضعها التعديل الثاني على القواعد التنظيمية للسلاح، فإن هذه القوانين لا تُطبق على الولايات التي قد يبدو كما لو أن لها سلطات غير محدودة لتنظيم الأسلحة النارية. بعد مرور عشر سنوات، عالجت المحكمة قضية سلطات الولايات في قضية بريسّر ضد إلينوي (1886) عندما وافقت على قانون للولاية حرّمت بموجبه المنظمات شبه العسكرية من التدريب العسكري أو القيام باستعراضات دون ترخيص من حاكم الولاية. ولاحظت المحكمة، مرة أخرى، أن التعديل الثاني لا يُطبّق إلاّ على الحكومة الفدرالية، وأن الولايات حرة في تنظيم ملكية واستخدام السلاح من قبل المواطنين الأفراد. فحق حيازة السلاح وحمله يقتصر على الحاجة إلى ميليشيا. وعادت المحكمة فكرّرت وجهة النظر هذه في قضايا أخرى تتحدى قوانين الولايات التنظيمية الخاصة بالأسلحة النارية. القضية الأهم الثانية التي عرضت أمام المحكمة كانت قضية الولايات المتحدة ضد ميلّر، سنة 1934، وهي تحدٍ لدستورية القانون القومي للأسلحة النارية لسنة 1934 الذي نظّم نقل الأسلحة المختلفة بين الولايات. لقد أدين رجلان بنقل بندقية صيد ذات ماسورة مقصّرة غير مسجلة (وهو سلاح يستخدم عادة في السرقات) عبر حدود الولاية، وادعى الرجلان أن القانون ينتهك حقوقهما المنصوص عنها في التعديل الثاني. أيدت المحكمة بالإجماع القانون الفدرالي وكذلك سلطة الكونغرس في تنظيم الأسلحة النارية، وشدّدت على أن التعديل الثاني يجب أن يُقرأ في سياق نيتّه الأصلية، أي تزويد الميليشيات بالرجال. القاضي جيمس سي. ماك رينولدز في الولايات المتحدة ضد ميلّر 1934 في غياب أية أدلة حتى اليوم تميل إلى الإثبات أن امتلاك أو استخدام "بندقية صيد ذات ماسورة طولها أقل من ثمانية عشر إنشاً "تتعلق بشكل معقول إلى الحاجة للمحافظة على أو فعالية ميليشيا منظمة بشكل جيد، لا يسعنا القول إن التعديل الثاني يضمن حق حيازة وحمل مثل هذه الأداة. ومن المؤكد أنه لا وجود في القرار القضائي لما يشير إلى أن هذا السلاح هو جزء ما من العتاد العسكري العادي، أو أن استخدامه قد يساهم في الدفاع المشترك. ان أحداً من أحكام المحكمة لم يجب عن السؤال عما إذا كان الامتلاك الشخصي للسلاح، الذي لا علاقة له بأية ميليشيا، غير مشروع. الواقع، أن المحكمة لاحظت في قضية في سنة 1994 "أن هناك تقليدا قديما لامتلاك السلاح بصورة قانونيةً على نطاق واسع من قبل الأفراد في هذا البلد". لكن المحكمة لم تقل أبداً، إن هذا التقليد القديم محمي بصورة ما بالتعديل الثاني أو بأي جزء آخر من الدستور. يدور النقاش المعاصر بالضبط حول هذا السؤال: هل للأميركيين حق دستوري في حيازة وفي حمل السلاح خارج سياق ميليشيات لم يعد لها وجود؟ لقد أخذ هذا النقاش منحى آخر مؤخراً. ففي معظم الحالات، تبنّت الإدارات السابقة الفكرة التي أيدتها المحكمة العليا بقضية ميلّر، وهي أن التعديل الثاني لا يعطي صراحة حقاً فردياً (بحيازة السلاح). غير أن وزير العدل، جون آشكروفت، أضاف، سنة 2002، بياناً لاحقاً لعرض حكومي موجز في قضية تتعلق بمراقبة السلاح، أشار فيه إلى أن إدارة جورج و. بوش تعتقد أن التعديل الثاني يُبيّن في الواقع بوضوح حق الفرد في حمل السلاح. لكن من المبكر تحديد ما إذا كانت تلك السياسة ستؤثر على الطريقة التي ستتخذ فيها المحكمة قراراتها بما يخص قضايا التعديل الثاني في المستقبل. على الرغم من أن الحق الأساسي في حيازة وحمل السلاح له علاقة بالميليشيات، ظل الأميركيون يقتنون ويحملون السلاح لأسباب أخرى مثل حماية الحدود، والصيد، ولاحقاً الرياضة، مثل مسابقات الرماية. في الثمانينات من القرن التاسع عشر، كانت عدة أجزاء من الغرب الأميركي غير خاضعة لسيطرة القانون مع عصابات المواشي لسرقة تقوم بسرقة، وقطاع الطرق الذين يغيرون على مربي الماشية والمسافرين. وفي حين كان مدراء الشرطة ومفوضو الشرطة يؤمنّون بعض الحماية، فإن الدفاع الذاتي كان، في بعض الأماكن، السلامة الحقيقية الوحيدة، ومع أن حدود الدولة تحركت أكثر باتجاه الغرب في القرن التاسع عشر لتختفي تماماً في نهايته، فإن امتلاك السلاح كان قد أصبح بالنسبة للعديد من الناس "حقاً" شخصياً تماماً كحق امتلاك جواد أو عقار. واعترف الناس أن بإمكان الولاية تنظيم تلك الملكية، بل وحتى الحد منها على أُسسٍ معقولة (الأشخاص الذين أدينوا بجناية لا يحق لهم امتلاك أسلحة نارية بعد إطلاق سراحهم من السجن، مثلاً).
سنة 1960، قال أستاذ الحقوق، ستيوارت هيز، إن الملكية الخاصة للسلاح هي امتياز يحميه التعديل الثاني وإن قرارات المحكمة السابقة التي ربطته بالميليشيات فقط كانت مخطئة. وادعى هايز أن التعديل الثاني يحمي الحق الفردي في امتلاك السلاح، ربما في البداية للدفاع الذاتي (عن النفس)، لكن بصورة منفصلة تماماً عن أية واجبات ميليشياوية. وقال أيضاً إن التعديل أعطى المواطن "حق الثورة"، وإن المواطنين المسلحين يمكنهم القيام بتمرّد مسلح ضد الحكومة التي يعتبرون أنها تصرفت بصورة غير عادلة. ويبدو أن هيز كان يقول في الأساس، ان الغرض الحقيقي للتعديل الثاني هو الاحتفاظ للأجيال القادمة بحق التمرّد على الطغيان الذي مارسه جيل الثورة الأميركية الوطني. بعد مرور ثلاث سنوات على نشر هيز مقالته، صُدمت الدولة باغتيال جون ف. كينيدي في دالاس، بولاية تكساس، على يد لي هارفي أوزوالد الذي اشترى البندقية التي استخدمها لقتل الرئيس عن طريق البريد على أساس إعلان في "أميركان رايفلمان"، المطبوعة الرسمية للجمعية القومية للبنادق (NRA). وبعد يومين، اغتيل أوزوالد نفسه على يد جاك روبي بواسطة مُسدّس كاتم للصوت حمله إلى مركز شرطة دالاس. مقالة هيز واغتيال كينيدي عجّلا في النقاش الأكاديمي المستمر حول المعنى الأصلي والمعاصر للتعديل الثاني، لكن الأهم من ذلك أن النقاش الدستوري تلقفته المجموعات السياسية التي كانت تؤيد أو تعارض قوانين مشدّدة أكثر لمراقبة السلاح. ومنذ ذلك الوقت، احتدم النقاش بين المدافعين عن "حقهم الدستوري" في امتلاك الأسلحة النارية على عكس الذين يريدون تنظيم ملكية السلاح والذين ينكرون وجود أي "حق" مُتضّمن. تعتقد الجمعية القومية للبنادق وحلفاؤها، من جهة، أن حق الأفراد في حيازة السلاح متضمن في التعديل الثاني، وانه حق مطلق، وأن أي قيود غير القيود الأساسية هي انتقاص لهذا الحق، وإنها قد تقود إلى فقدان هذا الحق بكامله. وكثيراً ما صيغت الحجة باعتبار الصيد تقليداً أميركياً وكذلك حاجة المواطنين للدفاع عن أنفسهم ضد المجرمين. ويعتقد بعض أشد المدافعين عن حيازة السلاح أن السبب الحقيقي وراء قوانين ضبط السلاح هو الرغبة في نزع سلاح المواطنين بحيث تستطيع حكومة استبدادية إحكام سيطرتها على كل شيء والإطاحة بجميع حقوق الناس. وقد نظمت بعض مثل تلك المجموعات نفسها في "ميليشيات" عصرية، وادّعت أن التعديل الثاني يحمي نشاطاتها كلياً. أما المعارضة فتبني حججها على أساس آلاف الأشخاص الذين يُقتلون سنوياً بالسلاح علماً أن العديد من تلك الوفيات تأتي نتيجة خلافات منزلية أو حوادث. كما يشير المعارضون إلى السهولة التي يستطيع فيها الأفراد المُختلّون الحصول على السلاح، على غرار الولدين المراهقين اللذين دخلا في العشرين من نيسان/إبريل 1999 مدرسة كولومباين في ليتلتون، بولاية كولورادو، وبيدهم أربعة مسدسات. وفي خلال دقائق قليلة، قتلا 12 طالباً ومعلماً وجرحا 23 آخرين قبل أن يديرا أسلحتهما صوب نفسيهما. يقول المدافعون عن ضبط السلاح إن لا وجود هناك لأي حق دستوري يسمح به. والواقع أن المدافعين عن وضع ضوابط على السلاح يتوزعون على طيف واسع ليس كل من فيه ينادي بضرورة نزع أية صفة قانونية عن حيازة السلاح الخاص. وهم يقترحون، بدلاً من ذلك، مجموعة متنوعة من القوانين الغاية منها مراقبة من يحق له شراء قطعة سلاح، وتسجيل الأسلحة وأصحابها، وفرض شروط للتدريب الشديد لأجل الحصول على مسدس، وقيود على أنواع الأسلحة التي يحق للمواطنين حيازتها. وهذا الشرط الأخير يدافع عنه بنوع خاص ضباط الشرطة الذين كثيراً ما يزعمون أن المجرمين الذين يواجهونهم غالباً ما يكون لديهم أسلحة أفضل وأكثر فتكاً من تلك التي في حوزتهم هم، ويقولون إن الصيّاد الحقيقي يستخدم بندقية عادية أو بندقية صيد وليس رشاشاً شبه أوتوماتيكي. يتضمّن النقاش الجاري قضايا متعددة، وإذا كان طرح حجج كلا الجانبين يساعد في فهم النقاش، فإنه من المستحيل توضيح حِدّة هذا النقاش كتابة على الورق، أو الطاقة العاطفية والتقلبات السياسية التي ترتبط به. وباختصار، النقاط التالية أساسية في هذا النقاش:
الحرية الفردية: يزعم المدافعون عن حيازة السلاح، أن الولايات المتحدة تمتعت بحكومة ديمقراطية وبمجتمع ديمقراطي حيث حقوق الفرد محمّية ضد سلطة الدولة. فكما أن المواطن مؤهل للتعبير عما يفكر به، أو للعبادة بطريقة تختلف عن طريقة الأكثرية، أو للتمتع بحقوق مُعيّنة عندما يتهّم بجرم ما، فإن للمواطن الفرد الحق أيضاً في حيازة السلاح. فالتعديل الثاني منسجم مع الأجزاء الأخرى من قانون الحقوق ذلك أن "الهدف الأسمى"، كما قال باتريك هنري، أحد الآباء المؤسسين، "هو أن يحق لكل رجل قادر أن يمتلك سلاحاً". لكن يبدو أن هذه الحجة تتجاهل الواقع وهو أنه لا وجود لحق دستوري مطلق في الولايات المتحدة. فحرية التعبير نفسها، مثلاً، قيدّتها المحاكم. ويشير المدافعون عن وضع رقابة على السلاح، علاوة على ذلك، إلى أنه قبل تبنّي التعديل الثاني بوقت غير قصير، لم تنص القاعدة على حيازة السلاح دون حدود، بل نصت على الرقابة المشددة، وأن المحاكم رأت دائماً أن حق حمل السلاح يُقيّده نص التعديل الثاني نفسه. وهكذا، قالوا أن حق حمل السلاح ليس حقاً فردياً بل حق الناس ككل عندما، وفقط عندما، يجتمعون لتشكيل ميليشيا. أما بالنسبة للمقتطف من كلام باتريك هنري، فإنه يتكلم، في الواقع، عن الميليشيات. باتريك هنري أثناء مؤتمر تصديق ولاية فرجينيا على الدستور 1788 أفلا يترتب علينا تنظيمها وتسليحها (الولايات) وكذلك الأمر بالنسبة للكونغرس، إذا كانت سلطتها متداخلة ومتلازمة؟ بحيث يكون للميليشيا عندنا مجموعتان من الأسلحة، ونوعان من الأزياء العسكرية، ومن تنظيمات الأفواج العسكرية وغيرها، وهكذا سوف يكون لنا تسلّح مزدوج، وبكلفة مرتفعة جداً؟ الهدف الكبير هو أن يكون كل رجل مسلحاً. لكن هل باستطاعة الشعب أن يدفع تكاليف مجموعتين من الأسلحة ومستلزماتها؟ يجوز لكل من يستطيع أن يملك سلاحاً. لكن التجارب علّمتنا انه، مهما كان اقتناء السلاح ضرورياً، وعلى الرغم من أن مجلسنا قد سعى جاهداً، عن طريق سلسلة متتالية من القوانين على مدى عدة سنوات، لأجل أن تكون هناك ميليشيا مسلحة، تسليحاً كاملاً، فإننا لا زلنا بعيدين عن تحقيق ذلك. معنى "الناس": هل لعبارة "الناس" في التعديل الثاني نفس المعنى الذي لها في أماكن أخرى، مثلاً، في "حق الناس في التجمع بسلام" في التعديل الأول؟ إذا كان كذلك، تقول الحجة، فهذا يعني إذاً أن "للناس" حق امتلاك السلاح، كما أن لهم الحق الذي ينص عليه التعديل الرابع في أن يكونوا آمنين في بيوتهم وأشخاصهم. الجواب على هذه الحجة هو أن المحاكم أكدت باستمرار أن التعديل الثاني مختلف، وأن العبارة لها معنى مختلف. فحتى في زمن تبنّي التعديل، حصرت قوانين الولايات امتلاك السلاح "بأناس" مُعينين فقط، أي الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 45 عاماً لأجل الخدمة العسكرية. الدفاع عن النفس: وتواصل الحجة القول إن الأميركيين تاريخياً، قاموا بالدفاع عن أنفسهم بأنفسهم، وإن السلاح كان أساسياً على الحدود لصدّ هجمات الهنود وسارقي الماشية واللصوص الآخرين، من بشر وحيوانات. فمن حق الناس في المجتمع الحديث أن يكونوا قادرين على حماية أنفسهم ضد السرقة، والاغتصاب، والاعتداءات، والجرائم. فالجرائم هي واقع في الحياة الحضرية الحديثة مثلها مثل الأخطار التي كانت تواجه الأجيال التي روّضت الحدود. أن حق الدفاع عن النفس جزء من الحق الطبيعي في الحياة، والحرية، والسعادة الذي أعلن عنه في إعلان الاستقلال. وامتلاك السلاح هو الوسيلة التي بواسطتها يستطيع المرء حماية ذلك الحق الطبيعي. ليست القضية هنا في الواقع قضية التعديل الثاني، بما أن القانون الإنكليزي والقانون الأميركي اعترفا منذ زمن بعيد بأن لكل فرد الحق في حماية نفسه د الأذى الجسدي أو سرقة الممتلكات. فإذا استخدم إنسان السلاح لإطلاق النار على مهاجم، سوف تُعتبر فعلته ليس كحق دستوري بل كمسألة قانون جنائي. فالتعديل الثاني لم يكن القصد منه أبداً زيادة هذا الحق التقليدي أو الانتقاص منه، كما أن المدافعين عن وضع رقابة على السلاح لم يقولوا أبداً إنهم يريدون حرمان الأفراد من القدرة على حماية أنفسهم ضد المجرمين. معهد القانون الأميركي، القانون الجنائي النموذجي وتفسيراته 1985 بوسع المرء أن يصُدّ بالقوة، دفاعاً عن نفسه، أو مسكنه، أو ممتلكاته واحداً أو أكثر من الذين ينوون ظاهراً ... ارتكاب جرم واضح ضده أو بحق ممتلكاته. وهو ليس مجبراً، في هذه الحالة، على التراجع، بل يمكنه ملاحقة المعتدين إلى أن يشعر بأن الخطر قد زال؛ وإذا حصل، من خلال النزاع معهم انه أقدم على القتل فيكون مثل هذا القتل مُبرّراً. فحق الدفاع عن النفس في حالات من هذا النوع يقوم على قانون الطبيعة؛ وهو لا يُلغى، ولا يمكن إلغاؤه بموجب أي قانون للمجتمع. حق الثورة: تحظى الحجة القائلة إن التعديل الثاني يؤيد حق القيام بثورة بالكثير من الجاذبية في دولة ولدت على أثر ثورة ضد ملك شرعي، وتعلّم شعبها منذ الطفولة أن اليقظة الدائمة هي ثمن الحرية. فقبل أكثر من قرن من الزمن، أعلن اللورد آكتون أن "السلطة تميل إلى الإفساد وأما السلطة المطلقة فتُفسد بالكامل"، كما أن الرجال الذين صاغوا الدستور وقانون الحقوق أدركوا هذا المفهوم تماماً حتى ولو لم يسبق لهم أن سمعوا كلمات اللورد آكتون بدقة. إن كل حكومة، بما فيها الحكومات الديمقراطية، تميل إلى مراكمة السلطات بيدها، وستقاوم كل محاولة للانتقاص من تلك السلطات. فالمواطنون غير المسلحين لن يكون بإمكانهم الحفاظ على حرياتهم عندما تواجههم سلطات الحكومة؛ أما المواطنون المسلحون، فبإمكانهم ذلك وسوف يقاومون كما فعل المستوطنون سنة 1776. غير أن روسكو باوند، عميد كلية الحقوق في جامعة هارفرد والبحاثة الشهير، أشار إلى الصعوبات التي تعترض تطبيق هذه الحجة في العالم الحديث. روسكو باوند، تطوّر الضمانات الدستورية للحرية 1957
إن إعطاء حق شرعي للمواطنين بشّن حرب على الحكومة أمر لا يمكن قبوله... فإعطاء حق عام لحمل الأسلحة الفتّاكة في المجتمع الحضري الصناعي اليوم، على أساس إتاحة مقاومة قمع الحكومة سوف يعني تمكين العصابات من ممارسة الحكم خارج القانون ومن شأنه القضاء على كامل قانون الحقوق. سيقول المؤرخون، علاوة على ذلك، إن الثورة الأميركية لم تكن انتفاضة مسلحة ضد الحكومة بل حرباً بين حكومة، هي حكومة الولايات المتحدة، وحكومة أخرى، هي حكومة بريطانيا العظمى. فقد تمّ تنظيم الثورة وإدارتها على يد الكونغرس القارّي بمساعدة حكومات الولايات، وليس على يد أفراد مسلحين، أو حتى عصابات الميليشيات الجوّالة. واليوم، تعتمد الأكثرية العريضة للشعب الأميركي على الأساليب الديمقراطية المقبولة لأجل التأثير على الحكومة وللحدّ من سلطاتها، كصندوق الاقتراع، ومجموعات المصالح السياسية، والصحافة الحرة، والمحاكم. القليل جداً من الأميركيين يوافقون أو يعطفون على المجموعات الهامشية التي أعلنت أن الحكومة الأميركية نظام استبدادي تجب مقاومته بقوة السلاح. والواقع أن المرة الوحيدة في تاريخنا التي أعلن فيها المواطنون العصيان على نطاق واسع بعد الدستور كانت الحرب الأهلية، كما أن قليلين سيقولون اليوم إنه كان للجنوب الحق في الثورة. والحقيقة أن الدستور يعطي الحكومة الفدرالية بصراحة حق وسلطة قمع العصيان المسلح. يتمسك الذين يدافعون عن امتلاك السلاح الشخصي على نطاق واسع بحجج مثل الفدرالية، والدفاع عن النفس وذلك لمنع المجالس التشريعية الفدرالية ومجالس الولايات من سّن قوانين أشد صرامة للرقابة على السلاح، ولإقناع الشعب الأميركي أن امتلاك السلاح الفردي هو في الواقع حق دستوري. فقد أغرق المدافعون عن امتلاك السلاح، بقيادة الجمعية القومية للبنادق، أعضاء الكونغرس والمجالس التشريعية في الولايات، وكذلك الصحف والمواطنين عموماً بالرسائل والكتيبات معلنين بصوت عالٍ حق حمل السلاح. رسالة أعضاء الجمعية القومية للبنادق إنهم [الحكومة] يحاولون سحب حقنا في حمل السلاح... فالذين يريدون تحريم السلاح لا يُحبّونكم، بكل بساطة... لا يريدونكم أن تمتلكوا سلاحاً. ولن يتراجعوا عن أي شيء قبل أن يجبروكم على تسليم أسلحتكم إلى الحكومة... فإذا فشلت الجمعية القومية للبنادق في استعادة حريات التعديل الثاني، فإن الهجمات ستبدأ على حرية الدين، وحرية التعبير، والحرية من التفتيش والاحتجاز غير المعقول.... تضمنت جهود مجموعات مثل "الجمعية القومية للبنادق" و"مالكي السلاح الأميركيين" الرامية إلى إقناع الجمهور أن التعديل الثاني يحمي حق الأفراد، على مسابقات وفي كتابة مقالات، وحملات من كتابة الرسائل، واستعداد للّجوء إلى المحاكم لمقاومة أي قواعد تنظيمية قد يُقرها الكونغرس أو أي مجلس تشريعي في الولايات. رغم ذلك، فقد أقر الكونغرس خلال العقد الأخير، ثلاثة قوانين هامة لتنظيم السلاح، بينها قانونان نقضتهما المحكمة العليا، لكن ليس على أساس التعديل الثاني للدستور. في كانون الثاني/يناير سنة 1989، وقف منحرف يحمل سلاحاً رشاشاً من نوع كلاشينكوف خارج سياج فناء مدرسة في ستوكتون، بولاية كاليفورنيا، وأخذ يطلق النار على الأطفال الذين كانوا يلعبون هناك. وعند انتهائه كان قد سقط خمسة أطفال قتلى وجُرح 29 آخرون. وقد استجاب الكونغرس لذلك بسن "قانون مناطق المدارس المجّردة من السلاح" عام 1990، الذي يعتبر حيازة فردٍ ما سلاحاً نارياً داخل حدود منطقة مدرسية جريمة فدرالية. وجاء طالب في الصف الثاني عشر في سان أنطونيو بولاية تكساس، إلى المدرسة حاملاً مسدساً من عيار 38 وخمس رصاصات؛ أوقف الطالب بموجب القانون الجديد، واستأنف ضد إدانته بموجب هذا القانون على أساس أن الكونغرس تعدىّ صلاحياته.
وقفت المحكمة بأكثرية ضئيلة من 5 أصوات ضد 4 إلى جانب الطالب المسلح. لقد أظهرت المحكمة العليا خلال السنوات الأخيرة، قابلية كبيرة لفكرة إعادة تعزيز مبدأ الفدرالية الذي يقول بترك سلطات أقل بيد الحكومة الفدرالية وإعطاء مزيد منها إلى الولايات. وأعلنت المحكمة في قضية الولايات المتحدة ضد لوبيز (1995) أن الكونغرس تعدّى صلاحياته في سن قانون مناطق المدارس المنزوعة السلاح. وليس في قرار الأكثرية هذا ما يدل على أن التعديل الثاني كان له أي دور في القرار؛ بدلاً من ذلك، كان اعتقاد القضاة الخمسة في المحكمة أن سلطة الكونغرس لا تمتد إلى ما يرون فيه أصلاً وضعاً محلياً ينظّم ويُعاقب بموجب القوانين المحلية. القاضي بريير، مخالفاً في قضية الولايات المتحدة ضد لوبيز 1995
هل كان بوسع الكونغرس منطقياً أن يجد "أن الجرائم العنيفة في مناطق المدارس" من خلال آثارها على "نوعية التعليم"، تؤثر إلى حد كير على العلاقات بين الولايات أو على العلاقات الخارجية [وتقع بالتالي ضمن نطاق القوانين التنظيمية الفدرالية]؟ الجواب عن هذا السؤال يجب أن يكون نعم... ان العنف المنتشر على نطاق واسع في المدارس عبر البلاد يعيق نوعية التعليم بشدة في تلك المدارس... ومن الواضح أن الكونغرس ربما اعتبر أن السلاح والدراسة منافيان لبعضهما البعض... وعليه، فإن الكونغرس يكون قد وجد في الأمر مشكلة تعليمية هامة: معلمين غير قادرين على التعليم، وطلابا غير قادرين على التعلم -- واستنتج أن السلاح على مقربة من المدارس يساهم إلى حد كبير في حجم ومدى تلك المشكلة. في محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس رونالد ريغان سنة 1981، أصاب المسلح السكرتير الصحافي لريغان، جيمس بريدي، بجروح بالغة وتركه معطوب الدماغ جزئياً. بعدها أصبح جيمس بريدي وزوجته سارة من المدافعين المتحمّسين عن التشريعات الفدرالية لوضع الرقابة على السلاح، وشاهدا جهودهما تُكافأ سنة 1993، رغم المعارضة الشديدة جداً من جانب اللوبي المؤيد لحيازة السلاح. فقد فرض قانون بريدي للوقاية من عنف السلاح الفردي، فترة انتظار مدتها خمسة أيام لشراء السلاح، وطالب أيضاً بالتدقيق في الخلفيات للتأكد من أن الشاري المحتمل لم يسبق له أن أُدين بجرم، أو كان مطلوباً من الشرطة، أو أجنبياً يقيم بصورة غير قانونية، أو صدرت بحقه شهادة بأنه غير مستقر عقلياً. وأمّن القانون المال لمساعدة الولايات لتحديث وضع سجلاتها الجنائية على الكومبيوتر لتسهيل البحث عن خلفيات الأفراد. تحدّى معارضو القانون، بمن فيهم الجمعية القومية للبنادق، فوراً قانون بريدي في المحاكم. لم يقدموا حجة تستند إلى التعديل الثاني، بل ركزوا على ما يفرضه القانون الجديد بأن يقوم المسؤولون المحليون عن تطبيق القانون بالتحقيق في الخلفيات، وادعوا أن ذلك يشكل انتهاكاً لحقوق الولايات. واستشهدت المحكمة العليا، مرة أخرى، بمبدأ الفدرالية وأيدت موقف الجمعية القومية للبنادق بأكثرية ضئيلة في قضية برينز ضد الولايات المتحدة (1997). لم يذكر قرار المحكمة التعديل الثاني، وقد بدا واضحاً من خلال مواقف الأكثرية والمخالفين في الرأي كذلك أن المحكمة لم تجد أي شيء في الدستور يمنع الكونغرس من سّن قوانين تقيّد حمل السلاح طالما أن ذلك لا ينتهك حقوق الولايات. سنة 1994، أقرّ الكونغرس قانون تحريم الأسلحة الهجومية لسنة 1994، كجزء من قانون أوسع يهدف إلى وضع حدّ للجرائم العنيفة. وطالب رؤساء الشرطة من كافة أنحاء البلاد الكونغرس بإلحاح اتخاذ إجراءات مناسبة، وادعوا أنه خلال جهودهم لوضع حدّ للجرائم العنيفة، كانت لدى المجرمين غالباً أسلحة أفضل وأقوى من ضباط الأمن. ثمة حدثان ساهما في الموافقة الأخيرة على هذا الإجراء، هما المذبحة التي جرت في باحة مدرسة ستوكتون بولاية كاليفورنيا، ومن ثم الهجوم الذي حصل في كافيتريا بكيلين بولاية تكساس، والذي ترك 23 قتيلاً وعدداً مماثلاً من الجرحى، وهي أبشع مذبحة من نوعها في التاريخ الأميركي. فعلى الرغم من أنه بدا، في مراحل عدة، أن الجمعية القومية للبنادق نجحت في قتل القنون في الكونغرس، فإن تأييد حكومة كلينتون وكذلك زعماء الكونغرس لوضع رقابة على السلاح نجحا أخيراً في الموافقة على القانون. وما دام القانون الجديد قد صِيغ بوضوح لضمان عدم الاستشهاد بقضية مبدأ الفدرالية فلم يعد بالإمكان قيام أي تحدٍّ حقيقي له من جانب المحاكم. بعد حادثة إطلاق النار في مدرسة كولومباين في ليتلتون بولاية كولورادو، أدت الصدمة القومية التي أحدثتها السهولة التي تمكن فيها طالبان ناقمان من الحصول على أربعة مسدسات، إلى قيام ضغط كبير على الكونغرس الذي كان لم يكن راغباً باتخاذ إجراء. أقر مجلس الشيوخ بسرعة قانوناً من شأنه تشديد إجراءات شراء السلاح، وكذلك حظر بعض أنواع الذخيرة، لكنه اصطدم بحواجز في مجلس النواب حيث عملت المجموعات المعارضة للرقابة على السلاح بنجاح لإفشال هذا الإجراء. وهو مقياس يشير لمدى قوة لوبي السلاح في الولايات المتحدة الذي استطاع التأثير على كونغرسٍ شاهد استطلاعات الرأي العام تؤيد بقوة الإجراءات الصارمة للرقابة على السلاح. يجد الكثير من الناس، بمن فيهم العديد من الأميركيين، أن النقاش حول الرقابة على السلاح محير، ذلك أنه على الرغم من وجود ملايين من قطع السلاح التي يملكها أفراد، فإن أكثرية الأميركيين لا يملكون سلاحاً. وكذلك الأمر، فإن معظم الأميركيين، حسب استطلاعات الرأي، يؤيدّون رقابة أشد صرامة على من يحق له امتلاك السلاح، وأي نوع من السلاح يمكن أن يمتلكه المواطن العادي.
لقد أصبح حق حمل السلاح بمثابة منافسة سياسية، خلافاً لحقوق الناس الأخرى التي أعطت لها المحاكم قيوداً وتفسيرات، كما أنه حرّض المدافعين عن ضبط السلاح ضد الذين يرون في امتلاك السلاح حقاً يحميه الدستور خارج نطاق الرقابة التشريعية. أفشلت المحكمة العليا مؤخراً محاولتين لتنظيم اقتناء وحمل السلاح، لكن على أسس لا علاقة لها بالتعديل الثاني للدستور. وسوف يُواجه المحكمة، في وقت ما، وربما في مستقبل غير بعيد، تحدٍ مباشر لقوانين ضبط السلاح يستند إلى التعديل الثاني، كما أن صوتها سوف يلعب دوراً هاماُ وربما حاسماً في صياغة شكل النقاش حول حق الناس في حيازة وحمل السلاح. قراءات إضافية Saul Cornell, ed., Whose Right to Bear Arms Did the Second Amendment Protect? (Boston: Bedford/St. Martin's, 2000). Robert Cottrell, ed., Gun Control and the Constitution (New York: Garland Publishing Co., 1994). Wilbert Edel, Gun Control: Threat to Liberty or Defense Against Anarchy? (Westport: Praeger, 1995). Robert J. Spitzer, The Right to Bear Arms: Rights and Liberties under the Law (Santa Barbara: ABC-CLIO, 2001).
تاريخ النشر:
08 تموز/يوليو 2004 آخر تحديث:
|